02 فبراير 2013

مستقبل خطة العدالة بالمغرب


بقلم: العربي أبوأيوب
ناسخ قضائي
لوضع إطار ولو تقريبي لما يجب أن تكون عليه مهنة العدالة بالمغرب لابد حتما أن نستحضر ماضيها في ذلك الوقت ومحيطها آنذاك، ثم نقارنه بوضعها الراهن ومستجداته، من أجل رسم تصور أقرب إلى الصواب يضل فيه الثابت ثابتا في علاقته بالثوابت، ويتحرك حتما فيه المتغير في علاقته بالمتغيرات، حتى يكون مستقبل العدالة والتوثيق بالمغرب عموما يندرج في إطار تطبيق شعار القضاء في خدمة المواطن، ومهما يكن فهو تصور شخصي من شخص محدود المعلومات ومحدود التجربة، لكنه  قريب من ممارسي هذه المهنة وغيور عليها ويتمنى صادقا أن يراها يوما في عز ومجد يليق بالأساس التاريخي والديني والاجتماعي والثقافي والحضاري الذي تمتد إليه جذورها.
إن واقع مهنة العدالة يبعث على الشفقة من حيث المكانة التي تتهاوى إليها داخل المجتمع
المغربي، وبين مؤسسات الدولة، وفي اعتقادي المتواضع أنها تُفرَغُ رويدا رويدا من لبها وتحتفظ فقط بأطلالها وشكليتها وأخشى أن تضحى يوما جسدا بلا روح.
ليس هذا تشاؤما ولكنه أملا في أن يكون العكس، وللوقوف على بعض مظاهر هذا التسوس الداخلي الذي أكل منها كثيرا ولمدة طويلة، يمكنني أن أنطلق من بعض الأمور التي ارتبطت بمهنة العدالة مند الأزل ومنها:
البيعة الملكية:
إن البيعة الملكية في أساسها وبدايتها ليست طريقا للاستقواء داخل النسيج الاجتماعي المغربي، وإنما هي مظهرا ونتيجة للمكانة الاجتماعية ونفوذ متجدر داخل المجتمع يتمتع به مسبقا المبايع، قد يكون هذا النفوذ سياسيا مبني على ماتبنى عليه السياسة. أو قبَلِي أو سلطوي مبني على القهر وقوة الشوكة، وقد وقد...
لكن بيعة العدول كانت مبنية على المكانة العلمية والدينية والخلقية بين عامة المغاربة وخاصتهم، هذه المكانة كان يقابلها الناس بالاحترام التام للعدل ومايصدر عنه من قول أو فعل، إذن فبيعة العدول للملك لا تترجم موقف العدول وحسب وإنما موقف خيرة الناس من المجتمع المغربي إلى حد يمكن تشبيهها بديمقراطية أثينا في زمانها حين كان اختيار الحاكم يقتصر على وُجَهاء المدينة وعلية القوم فيها، وليس للباقي حينها سوى مباركة النتيجة.
لكن هناك فرق بين وبين، فالعدالة لم تبنى على القهر، بل بنيت على الحجة الدامغة والإقناع التام والدليل الساطع دينيا وقانونيا. مما يجعل بيعتهم للملك بيعة تحتل مكانة لدى كل من الحاكم والمحكوم، يعول عليها الحاكم كأسلوب حضاري ومؤشر مهم لمعرفة مكانته بين العلماء وبين من هم أدرى بحال الناس وأحوالهم العارفين بحاضرهم والمستشرفين لمستقبلهم.
أما اليوم فربما حسب اعتقادي انقلبت الآية وأصبح السادة العدول يقدمون البيعة للملك ليس فقط كعادة متوارثة، ولكن أيضا للتظاهر بأن العدالة لها مكانتها، أو من أجل تلمس أسباب النهوض في شيء كان مظهرا من مظاهر النهوض، فالمواطن العادي لايعنيه في شيء أن يقدم العدل البيعة للملك حينما لايقدم هذا العدل للمواطن خدمة تترجم روح المواطنة، إذ الأمر أشبه مايكون بالعقد الاجتماعي الذي تحدث عنه الفيلسوف جون جاك روسو، لكن عبر وسيط اسمه العدل. فالعدل الذي لايستطيع أن يكتب مجموعة من المعاملات لهذا المواطن فهو لايمثل في بيعته سوى نفسه، والعدل الذي لايستطيع أن يوجد بديلا يحترم شرع الله ليس أهلا أن يستشار في حدود الله.
وقد قيل يوما للعدول لايمكنكم أن تجروا بعض المعاملات لأنكم لاتتوفرون على حسابات بنكية وشرح أحدا في يوم ما أن الأمر ليس لأنهم ليست لهم حسابات بنكية ولكن لأنهم غير مسموح لهم بالمعاملات الربوية الخ.
وفي نظري أنه إذا كان العدول هم أشخاص من أجل إقامة شرع الله في أرضه بخصوص المعاملات بين الناس من جهة، وهم أيضا أشخاص شعبيين يطمئن إليهم كل مواطن مهما كان ليستشيرهم في كل أمور دينه ودنياه، وهم أشخاص أيضا يمكن أن يعول عليهم الحاكم في إرساء دعائم حكمه لضمان الأمن المعاملاتي الذي هو منبع كل أمن، وأساس كل تطور وازدهار. فإنه ولابد ولابد ولابد أن يكون هذا العدل أقرب شخص لكل المغاربة، ولايمكنه ذلك إلا إذا تبنى مطلبهم في احترام تام للدستور المغربي والقوانين المغربية التي يجب أن تحترم هي الأخرى المواطن وطموحه وخياراته.
فمثلا إذا كان العدل ملزم أن يوثق فقط المعاملات التي تتوافق وشرع الله، فلماذا لاينادي هذا العدل بإنشاء بنوك أسلامية على غرار كثير من الدول؟ حتى لايحرم العدل من توثيق كثير من المعاملات بين كثير من المغاربة؟ وأكثر من ذلك لايحرم المواطن من توثيق تعامله عند العدول؟ أم أن المواطن لايريد لهذه المعاملة أن توثق لدى العدول؟ أم أن دسترة إسلامية الدولة المغربية وإمارة المؤمنين بها مجرد شعارات تنضاف إلى كثير من الشعارات الأخرى؟
وفي الختام أدعوا السادة العدول إلى استنهاض هممهم واستشراف مستقبل مهنتهم والدود عن مصالح المواطن المغربي الشرعية والتعاقدية والقانونية انطلاقا من صاحب العنزة إلى صاحب الشركات، وإذ كانت ازدواجية التوثيق بالمغرب مسألة حثمية، فإنه بالتبعية يجب أن تكون من ورائها عدة أشياء أخرى حتمية أيضا، وحينها يكون للمواطن المغربي أن يختار بين وبين، فمن أراد الحانة فبابها مفتوح بجوار البنك الربوي، ومن أراد المسجد فبابه أيضا يجب أن يكون مفتوحا بجانب البنك الإسلامي، وفي ذلك مصلحة البلاد والعباد وفيه استتباب  للأمن والأمان.